فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إذْ تَقُولُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه منصوب بإضمار اذكر.
الثاني: إن قلنا: إن هذا الوعد حصل يوم بَدْر، فالعامل في {إذْ} قوله: {نَصَرَكُمُ الله} والتقدير: إذ نصركم الله ببدر، وأنتم أذلة إذ تقول للمؤمنين.
وإن قلنا: إن هذا الوعد حصل يوم أُحُد، فيكون بَدَلًا من قوله: {إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ} [آل عمران: 122]، فهذه ثلاثة أوجه.
قوله: {أَلَنْ يَكْفِيكُمْ} معنى الكفاية: هو سَدُّ الخلة، والقيام بالأمر.
يقال: كَفَاهُ أمر كذا، أي: سَدَّ خلته.
والإمداد: إعانة الجيش بالجيش، وهو في الأصل إعطاء الشيء حالًا بعد حال.
قال المفضَّل: ما كان على جهة القوة والإعانة، قيل فيه: أمَدَّه يُمِدُّه، وما كان على جهة الزيادة، قيل فيه: مَدَّه يَمُدُّه مَدًّا ومنه: {والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر} [لقمان: 27].
وقيل: المَدُّ في الشر، والإمداد في الخير؛ لقوله تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15] وقوله: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدًّا} [مريم: 79] وقال في الخير: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْف} [الأنفال: 9] وقال: {وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِين} [الإسراء: 6].
قوله: {أَن يُمِدَّكُمْ} فاعل، {أَلَنْ يَكْفِيكُمْ} أي: ألن يكفيكم إمدادُ ربكم، والهمزة لما دخلت على النفي قررته على سبيل الإنكار، وجيء بـ {لن} دون لا؛ لأنها أبلغ في النفي، وفي مصحف أبيّ {ألا} بدون لن وكأنه قصد تفسير المعنى.
و{بثلاثة} متعلق بـ {يُمِدَّكُمْ}.
وقرأ الحسن البصريّ {ثلاثة آلافٍ} بهاء ساكنة في الوصل وكذلك {بخمسة آلافٍ} كأنه أجْرَى الوصل مُجْرَى الوقف، وهي ضعيفة؛ لأنها في متضايفين تقتضيان الاتصال.
قال ابن عطية: ووجْه هذه القراءة ضعيف؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد يقتضيان الاتصال إذْ هما كالاسم الواحد، وإنما الثاني كمال الأول، والهاء إنما هي أمارة وقف، فيتعلق الوقف في موضع إنما هو للاتصال، لكن قد جاء نحو هذا للعرب في مواضعَ، من ذلك ما حكاه الفرَّاء من قولهم: أكلت لحما شاةٍ- يريدون لحم شاة- فَمَطلُوا الفتحةَ، حتى نشأت عنها ألِفٌ، كما قالوا في الوقف قالا- يريدون قال- ثم مَطَلُوا الفتحة في القوافي، ونحوها من مواضع الرؤية والتثبيت.
ومن ذلك في الشعر قوله: [الكامل]
يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ ** زَيَّافَةٍ مِثْلِ الْفَنِيقِ المُكْدَمِ

يريد: ينبع، فمطل ومثله قول الآخر: [الرجز]
أقُولُ إذْ خَرَّتْ عَلَى الْكَلْكَالِ ** يَا نَاقَتَا مَا جُلْتُ مِنْ مَجَالِ

يريد: الكلكل، فمطل ومثله قول الشاعر: [الوافر]
فَأنْتَ مِنَ الْغَوَائِلِ حِينَ تُرْمَى ** وَمَنْ ذَمِّ الرِّجَالِ بِمُنْتَزَاحِ

يريد: بمنتزح.
قال أبو الفتح: فإذا جاز أن يعترض هذا الفتور والتمادي بين أثناء الكلمة الواحدة، جاز التمادي بين المضاف والمضاف إليه، إذ هما اثنان.
قال أبو حيان- بعد نقل كلام ابن عطية-: وهو تكثير وتنظير بغير ما يناسب، والذي يناسب توجيه هذه القراءة الشاذة أنها من إجراء الوَصْل مُجْرَى الوَقْف، وإجراء الوَقْف مُجْرَى الوصل والوصل مجرى الوقف موجود في كلامهم وأما قوله: لكن قد جاء نحو هذا للعرب في مواضع، وجميع ما ذكر إنما هو من باب إشباع الحركة، وإشباع الحركة ليس نحو إبدال التاء هاء في الوَصْل، وإنما نظير هذا قولهم: ثلاثة اربعة، أبدل التاء هاء، ثم نقل حركة همزة أربعة إليها، وحذف الهمزة، فأجْرَى الوصل مُجْرَى الوقف في الإبدال، ولأجل الوصل نقل فأجرى الوصل مُجْرى الوقف؛ إذْ لا يكون هذا النقل إلا في الوَصْل.
وقرئ شاذًّا- أيضا-: بثلاثةْ آلاف- بتاء ساكنة، وهي أيضا من إجراء الوصل مجرى الوقف من حيث السكون واختلفوا في هذه التاء الموقوف عليها الآن، أهي تاء التأنيث التي كانت، فسكنت فقط، أو هي بدل من هاء التأنيث المبدلة من التاء؟ ولا طائل تحته.
قوله: {مِّنَ الملائكة} يجوز أن تكون {مِنْ} للبيان، وأن تكون {مِنْ} ومجرورها في موضع الجر صفة لـ {ثَلاثَةِ} أو لِـ {آلافٍ}.
قوله: {مُنْزَلِينَ} صفة لـ {ثلاثة آلاف}، ويجوز أن يكون حالًا من {الْمَلاَئِكَةِ} والأول أظهر. وقرأ ابن عامر {مُنزَّلين}- بالتضعيف- وكذلك شدد قوله في سورة العنكبوت: {إِنَّا مُنزِلُونَ على أَهْلِ هذه القرية رِجْزًا مِّنَ السماء} [العنكبوت: 34] إلا أنه هنا- اسم مفعول، وهناك اسم فاعل.
والباقون خفَّفوها وقرأها ابن أبي عَبْلَة- هنا- مُنَزَّلين- بالتشديد مكسور الزاي، مبنيًا للفاعل.
وبعضهم قرأه كذلك، إلا أنه خفف الزاي، جعله من أنزل- كأكرم- والتضعيف والهمزة كلاهما للتعدية، ففعَّل وأفْعل بمعنًى، وقد تقدم أن الزمخشري جعل التشديد دإلا على التنجيم وتقدم البحث معه في ذلك وفي القراءتنين الأخيرتين يون المفعول محذوفًا، أي: منزلين النصر على المؤمنين، والعذاب على الكافرين. اهـ. بتصرف يسير.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)}:

قال الفخر:
بلى: إيجاب لما بعد (لن) يعني بل يكفيكم الإمداد فأوجب الكفاية، ثم قال: {إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هذا} يعني والمشركون يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بأكثر من ذلك العدد وهو خمسة آلاف، فجعل مجيء خمسة آلاف من الملائكة مشروطة بثلاثة أشياء، الصبر والتقوى ومجيء الكفار على الفور، فلما لم توجد هذه الشرائط لا جرم لم يوجد المشروط. اهـ.
قال الفخر:
الفور مصدر من: فارت القدر إذا غلت، قال تعالى: {حتى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التنور} [هود: 40] قيل أنه أول ارتفاع الماء منه ثم جعلوا هذه اللفظة استعارة في السرعة، يقال جاء فلان ورجع من فوره، ومنه قول الأصوليين الأمر للفور أو التراخي، والمعنى حدة مجيء العدو وحرارته وسرعته. اهـ.
قال الفخر:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم {مُسَوّمِينَ} بكسر الواو أي معلمين علموا أنفسهم بعلامات مخصوصة، وأكثر الأخبار أنهم سوموا خيولهم بعلامات جعلوها عليها، والباقون بفتح الواو، أي سومهم الله أو بمعنى أنهم سوموا أنفسهم، فكان في المراد من التسويم في قوله: {مُسَوّمِينَ} قولان:
الأول: السومة العلامة التي يعرف بها الشيء من غيره، ومضى شرح ذلك في قوله: {والخيل المسومة} [آل عمران: 14] وهذه العلامة يعلمها الفارس يوم اللقاء ليعرف بها، وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «سوموا فإن الملائكة قد سومت» قال ابن عباس: كانت الملائكة قد سوموا أنفسهم بالعمائم الصفر، وخيولهم وكانوا على خيل بلق، بأن علقوا الصوف الأبيض في نواصيها وأذنابها، وروي أن حمزة بن عبد المطلب كان يعلم بريشة نعامة، وأن عليًا كان يعلم بصوفة بيضاء وأن الزبير كان يتعصب بعصابة صفراء وأن أبا دجانة كان يعلم بعصابة حمراء.
القول الثاني: في تفسير المسومين أنه بمعنى المرسلين مأخوذًا من الإبل السائمة المرسلة في الرعي، تقول أسمت الإبل إذا أرسلتها، ويقال في التكثير سومت كما تقول أكرمت وكرمت، فمن قرأ {مُسَوّمِينَ} بكسر الواو فالمعنى أن الملائكة أرسلت خيلها على الكفار لقتلهم وأسرهم، ومن قرأ بفتح الواو فالمعنى أن الله تعالى أرسلهم على المشركين ليهلكوهم كما تهلك الماشية النبات والحشيش. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {بلى} حرف جواب، وهو إيجاب للنفي في قوله: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ} وقد تقدم الكلام عليه وجواب الشرط قوله: {يُمْدِدْكُمْ}.
والفوز: العجلة والسرعة، ومنه: فارت القِدْرُ، إذا اشتد غلبأنها وسارع ما فيها إلى الخروج، والفوز مصدر، يقال: فَار يفُورُ فَوْرًا، قال تعالى: {حتى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التنور} [هود: 40]، ثم جعلوا هذه اللفظة استعارة في السرعة، يقال: جاء فلان من فوره وفيه قول الأصوليين الأمر للفور ويعبّر به عن الغضب والحِدة؛ لأن الغضبان يسارع إلى البطش بمن يغضب عليه، فالفَوْز- في الأصل-: مصدر، ثم يُعَبَّر به عن الحالة التي لا ريث فيها ولا تعريج على شيء سواها وقال ابن عباس والحسن وقتادة وأكثر المفسرين: معنى {مِنْ فَورِهم هَذَا}: من وجههم هذا.
وقال مجاهد والضَّحَّاكُ: من غضبهم هذا؛ لأنهم إنَّما رجعوا للحرب يوم أُحُد من غَضَبِهم ليوم بدر.
قوله: {مُسَوِّمِينَ} كقوله: {مُنزَلِينَ}، وقرأ ابْنُ كَثيرٍ وأبُو عَمْروٍ وعَاصِمٌ بكسر الواو، على اسم الفاعل، والباقون بفتحها على اسم المفعول، فأما القراءة الأولى، فيحتمل أن تكون من السوم- وهو ترك الماشية ترعى- والمعنى: أنهم سَوَّموا خَيْلَهم، أي أعطوها سَوْمَها من الجَرْي والجَوَلان، وتركوها كذلك، كما يفعل من يسيم ماشيته في المرعى.
ويحتمل أن تكون من السومة- وهي العلامة- على معنى أنهم سوموا أنفسهم، أو خيلهم.
روي أنهم كانوا على خَيْلٍ بُلْقٍ، قال عروة بن الزبير: كانت الملائكة على خَيْل بُلْقٍ، عليهم عمائمُ بِيضٌ، قد أرسلوها بين أكتافهم.
وقال هشام بن عروة: عمائم صفر.
وروي أنهم كانوا بعمائم بيضٍ، إلا جبريل فبعمامة صفراء، على مثال الزبير بن العوام.
قال قتادةُ والضَّحَّاكُ: كانوا قد علموا بالعهن في نواصي الخيل وأذنابها.
ورُوِيَ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: «تسوموا، فإنَّ الملائكة قد تسومت بالصوف الأبيض في قلانسهم ومغافرهم» وأما القراءة الثانية، فواضحة بالمعنيين المذكورين، فمعنى السوم فيها: أن الله أرسلهم، إذ الملائكة كانوا مرسلين من عند الله لنُصْرة نبيه والمؤمنين.
قال أبو زيد: سوم الرجل خَيْلَه، أي أرسلها.
وحكى بعضهم: سومت غلامي، أي: أرسلته، ولهذا قال الأخفش: معنى {مُسَوَّمِينَ} مُرْسَلِين.
ومعنى السومة فيها: أن الله- تعالى- سومهم، أي جعل عليهم علامة، وهي العمائم، أو أن الملائكة جعلوا خيلهم نوعًا خاصًا- وهي البلق- فقد سوموا خيلهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

كان تسكينُ الحقِّ سبحانه لقلبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم بلا واسطة من الله- سبحانه، والربطُ على قلوب المؤمنين بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم- فلولا بقية بقيت عليهم ما ردَّهم في حديث النصرة إلى إنزال المَلَك، وأنَّى بحديث المَلَك- والأمر كلُّه بِيَدِ المَلِك؟!. اهـ.

.من فوائد القرطبي:

قال رحمه الله:
ورُوي عن ابن عباس: تسوَّمَت الملائكة يوم بدر بالصّوف الأبيض في نَوَاصي الخيل وأذنابها.
وقال عَبّاد بن عبد الله بن الزبير وهِشام ابن عُروة والكلبي: نزلت الملائكة في سِيما الزُّبِير عليهم عمائم صُفْر مُرْخَاة على أكتافهم.
وقال ذلك عبد الله وعروة ابنا الزبير.
وقال عبد الله: كانت ملاءة صفراء اعتم بها الزبير رضي الله عنه.
قلت: ودلت الآية على اتخاذ (الشارة والعلامة للقبائل والكتائب يجعلها السلطان لهم؛ لتتميّز كل قبيلة وكتِيبة من غيرها عند الحرب، وعلى فضل الخيل البُلْق لنزول الملائكة عليها.
قلت: ولعلها نزلت عليها مُوافَقة لفرس المِقْدَاد، فإنه كان أبْلَق ولم يكن لهم فرس غيره، فنزلت الملائكة على الخيل البُلْق إكرامًا للمقداد؛ كما نزل جبريل مُعْتَجِرًا بعمامة صفراء على مِثال الزبير، والله أعلم.
ودلّت الآية أيضا.
على لِباس الصّوف وقد لَبِسه الأنبياء والصالحون.
ورَوى أبو داود وابن ماجه واللفظ له عن أبي بُرْدة عن أبيه قال قال لي أبي: لو شهدتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابتنا السماء لحسِبت أن رِيحنا ريح الضّأن.
ولبس صلى الله عليه وسلم جُبّة رُومِيّة من صوفٍ ضيِّقة الكُمّين؛ رواه الأئمة.
ولبِسها يُونُس عليه السَّلام؛ رواه مسلم.
وسيأتي لهذا المعنى مزِيد بيان في النحل إن شاء الله تعالى.
قلت: وأما ما ذكره مجاهد من أن خيلهم كانت مَجْزوزة الأذناب والأَعْراف فبعيدٌ؛ فإن في مصنف أبي داود عن عُتْبة بن عبدٍ السُّلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقُصّوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها فإن أذنابها مَذَابُّها ومعارفها دفاؤها ونواصيها معقود فيها الخير» فقول مجاهد يحتاج إلى توقيف من أن خيل الملائكة كانت على تلك الصفة، والله أعلم.
ودلّت الآية على حُسْن الأبيض والأصفر من الألوان لنزول الملائكة بذلك، وقد قال ابن عباس: من لبس نَعلًا أصْفَر قضيت حاجته.
وقال عليه السَّلام: «البسوا من ثيابكم البياض فإنه من خير ثيابكم وكفِّنوا فيه موتاكم وأما العمائم فتيجَان العرب ولباسها» ورَوى رُكَانة وكان صارع النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَصرعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال رُكَانَة: وسمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس» أخرجه أبو داود.
قال البخاري: إسناده مجهول لا يعرف سماع بعضه من بعض. اهـ. بتصرف يسير.

.تفسير الآيات (126- 127):

قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)}

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير: وليس الإمداد بهم موجود للنصر، وكان قد قدم في أول السورة قوله: {والله يؤيد بنصره من يشاء} [آل عمران: 13] قال هنا قاصرًا للأمر عليه: {وما جعله الله} أي الإمداد المذكور وذكره لكم على ما له من الإحاطة بصفات الكمال التي لا يحتاج مراقبها إلى شيء أصلًا {إلا بشرى}.
وما كانت الهزيمة عليهم في هذه الكرة، وكان المقتول منهم أكثر قال: {لكم} لئلا يتوهم أن ذلك بشرى لضدهم، ولمثل هذا قدم القلوب فقال: {ولتطمئن} وعلم أن التقدير- لتكون الآية من الاحتباك: لتستبشر نفوسكم به وطمأنينة لكم لتطمئن {قلوبكم به} أي الإمداد، فحكم هنا بأنه بشرى مقيدًا بلكم، فكانت العناية بضمير أشد حتى كأنه قيل: إلا وبشرى لكم وطمأنينتكم، فوجب تأخير ضميره عنهم، والمعنى أنهم كانوا أولًا خائفين، فلما وردت البشرى اطمأنوا بها رجاء أن يفعل بهم مثل ما فعل في بدر، فلما اطمأنوا بها وقع النصر كما وقع به الوعد ثم لما اطمأنت قلوبهم إلى شيء ألزّ قوتها لأنه قد سبق لها نصر وسرور بضرب وطعن في بدر وغيرها فلمحت نحو شيء من ذلك؛ حصلت الهزيمة ليصيروا إلى حق اليقين بأنه لا حول لهم ولا قوة، ولذلك قال تعالى: {وما النصر} أي في ذلك غيره {إلا من عند الله} أي المستجمع لصفات الكمال، لا بمدد ولا غيره فلا تجدوا في أنفسكم من رجوع من رجع ولا تأخر من تأخر ولا هزيمة من انهزم.
ولما قدم أمر بدر هنا وأول السورة، وتحقق بذلك ما له من العزة والحكمة قال: {العزيز} الذي لا يغالب، فلا يحتاج إلى قتال أحد ولا يحتاج في نصره- إن قاتل- إلى معونة أحد {الحكيم} الذي يضع الأشياء في أتقن محالها من غير تأكيد أي الذي نصركم قبل هذه الغزوة وفي أول النهار فيها، ليس لكم ولا لغيركم ناصر غيره، فمتى التفت أحد إلى سواه وكله إليه فخذل، فاحذروه لتطيعوه طاعة أولي الإحسان في كل أوان، وهذا بخلاف ما في قصة بدر في الأنفال وسيأتي إن شاء الله ما يتعلق بها من المقال مما اقتضاه هناك الحال، والحكيم رأس آية بإجماع أهل العلم- كما في الأنفال، ولما قرر الوعد ذكر ثمرته فقال معلقًا الجار بيمددكم: {ليقطع} أي بالقتل {طرفًا} أي طائفة من كرامهم، يهنون بهم {من الذين كفروا} أي ويهزم الباقين {أو يكبتهم} أي يكسرهم ويردهم بغيظهم مع الخزي أذلاء، وأصل الكبت صرع الشيء على وجهه {فينقلبوا} أي كلهم مهزومين {خائبين} وذلك في كلتا الحالتين بقوتكم عليهم بالمد وضعفهم عنكم به، ويجوز تعليق {ليقطع} بفعل التوكل، أي فليتوكلوا عليه ليفعل بأعدائهم ما يشاءه من نصرهم عليهم، فيقبل بهم إلى الإسلام رغبة أو رهبة، أو يميتهم على كفرهم فيديم عذابهم مع عافيتهم منهم؛ ورأيت في سير الإمام محمد بن عمر الواقدي ما يدل على تعليقه بجعل من قوله: {وما جعله الله إلا بشرى} أو بقوله: {ولتطمئن} وهو حسن أيضا. اهـ.